كيف يتم تهميش النظام الإيراني من أسواق الطاقة الإقليمية؟

دالغا خاتين أوغلو
دالغا خاتين أوغلو

محلل اقتصادي في شؤون الطاقة

على الرغم من إصرار النظام الإيراني على تصدير الطاقة مع عجزه في تلبية احتياجاته من الكهرباء والغاز، فإن الأسواق الإقليمية تشهد تحولات واسعة النطاق بسبب غياب رؤية واضحة حول قدرة النظام الإيراني على الوفاء بالتزاماته.

وتشير أحدث تقارير هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية إلى أن تركيا استوردت في الربع الأول من عام 2025 أكثر من 5 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة الأميركية.

في عام 2024، قدمت الولايات المتحدة 6 مليارات متر مكعب من الغاز إلى تركيا، بزيادة قدرها 38 في المائة مقارنة بعام 2023.

وبذلك، أصبحت الولايات المتحدة في الربع الأول من هذا العام أكبر مورد للغاز إلى تركيا بعد روسيا بفارق طفيف، بينما كان النظام الإيراني حتى قبل بضع سنوات ثاني أكبر مصدر للغاز إلى تركيا.

يعاني النظام الإيراني منذ العام الماضي من عجز في الغاز على مدار جميع الفصول، حيث يصل العجز اليومي في الشتاء إلى أكثر من 250 مليون متر مكعب، وهو رقم هائل يعادل إجمالي استهلاك تركيا اليومي من الغاز في هذا الموسم.

تظهر إحصاءات هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية أن النظام الإيراني، بسبب عجز الغاز الهائل، سلّم في شتاء 2024 ما مجموعه 830 مليون متر مكعب من الغاز إلى تركيا، بانخفاض 39 في المائة عن العام السابق، وهو نصف ما كان عليه قبل عامين.

بموجب العقد، يفترض أن يسلم النظام الإيراني 900 مليون متر مكعب من الغاز شهريًا إلى تركيا، لكن إجمالي الغاز المسلم خلال أشهر الشتاء الثلاثة كان أقل من هذا الرقم.

ينتهي عقد تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا لمدة 25 عامًا في العام المقبل، وعلى الرغم من العروض المتكررة من النظام الإيراني، لم تُظهر تركيا حتى الآن أي رغبة في تجديد العقد.

مع استمرار شراء تركيا للغاز من روسيا وجمهورية أذربيجان (ثالث أكبر مصدر للغاز إلى تركيا)، تحل حكومة أنقرة الغاز الطبيعي المسال الأميركي تدريجيًا وبصمت محل الغاز الإيراني.

على مدى السنوات الماضية، عجز النظام الإيراني باستمرار خلال الشتاء عن الوفاء بالتزاماته بتصدير الغاز، مما تسبب في مشكلات لتركيا.

في ظل اتساع نطاق عجز الغاز في إيران ليشمل جميع الفصول، لا توجد آفاق لتجديد عقد الغاز، على الأقل بالمستوى الحالي، خاصة أن تركيا بدأت منذ مارس (آذار) الماضي استيراد غاز تركمانستان عبر مبادلة الغاز مع إيران.

أسواق العراق وسوريا

إلى جانب تركيا، فإن العراق هو العميل الوحيد للغاز الإيراني، لكن مسؤولين عراقيين أفادوا خلال الأيام الماضية بانخفاض تسليم الغاز من النظام الإيراني.

يستورد العراق الغاز الإيراني لاستخدامه في محطات توليد الكهرباء، وقد تسبب انخفاض تسليم الغاز في تقليص إنتاج الكهرباء في العراق بمقدار 3000 ميغاواط في ظل اقتراب ذروة الاستهلاك الصيفي.

كما يستورد العراق 3 في المائة من الكهرباء المستهلكة مباشرة من إيران، بينما كانت هذه النسبة قبل بضع سنوات 10 في المائة.

لكن النظام الإيراني يعاني حاليًا من عجز شديد في الكهرباء، مع انقطاعات واسعة وتقليص في تسليم الكهرباء إلى الصناعات.

بدأت تركيا العام الماضي بيع الكهرباء إلى العراق، ومنذ هذا العام، ضاعفت مبيعاتها للكهرباء إلى بغداد، حيث تقدم الآن أكثر من ضعفي الكهرباء التي يوفرها النظام الإيراني.

تبلغ قيمة صادرات الكهرباء والغاز الإيرانية سنويًا حوالي 5.5 مليار دولار، وهي موارد يحتاجها النظام الإيراني بشدة.

على مدى عقود، أنفق النظام الإيراني عشرات المليارات من الدولارات على جماعات وكيلة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ودول أخرى لتعزيز نفوذه.

ادعى بعض مسؤولي النظام الإيراني أن هذا النفوذ سيؤدي إلى عوائد تصديرية ضخمة ومشاركة مربحة في مشاريع صناعية وتعدينية في دول المنطقة.

لكن النتيجة كانت أنه، مع تحطيم الجماعات الوكيلة للنظام الإيراني في هجمات إسرائيل وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تم تهميش النظام الإيراني فعليًا من المعادلات.

العراق أعلن بوضوح عن نيته إنهاء اعتماده على إيران خلال العامين المقبلين، بينما قطعت سوريا فعليًا علاقاتها مع طهران.

ومن اللافت أنه قبل عامين، وفي ذروة نشاط الجماعات الوكيلة للنظام الإيراني، وقّعت بغداد وطهران عقدًا جديدًا للغاز لمضاعفة مستوى الصادرات.

تُظهر إحصاءات شركة معلومات السلع "كبلر" أن النظام الإيراني أرسل بين عامي 2012 ونهاية العام الماضي أكثر من 300 مليون برميل من النفط الخام مجانًا إلى سوريا، بقيمة 23 مليار دولار.

في الأسبوع الماضي، وقّعت الحكومة السورية المؤقتة عقدًا بقيمة 7 مليارات دولار مع شركات قطرية وتركية وأميركية لتطوير محطات كهرباء جديدة بقدرة 6000 ميغاواط.

وبناءً على ذلك، ستسلم تركيا سنويًا 2 مليار متر مكعب من الغاز لتزويد جزء من وقود هذه المحطات.

كما بدأت قطر منذ مارس (آذار) هذا العام تصدير الغاز إلى سوريا عبر البنية التحتية للأردن.

في السابق، كان من المقرر أن يزود النظام الإيراني سوريا بالغاز عبر العراق، بل وكانت هناك مشاريع باسم خط أنابيب الغاز "الإسلامي" لربط إيران عبر العراق وسوريا بأوروبا، وهي خطط كانت في ذهن النظام الإيراني.

تأتي أحلام النظام الإيراني بتسخير أسواق المنطقة وأوروبا في وقت كانت فيه تركيا، حتى في عهد بشار الأسد، تصدر بضائع إلى سوريا بقيمة تفوق صادرات إيران بـ15 ضعفًا.

في حين توقفت صادرات النظام الإيراني إلى سوريا مع سقوط بشار الأسد هذا العام، صدرت تركيا في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي بضائع بقيمة 1 مليار دولار إلى سوريا، بزيادة 32 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.