خطاب واحد وآلاف ردود الفعل.. لماذا أحدثت تصريحات ترامب الأخيرة صدى واسعًا بين الإيرانيين؟

أثار خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في السعودية، يوم الثلاثاء 13 مايو (أيار) الجاري، خصوصًا ما قاله عن أوضاع إيران، أثار صدى واسعًا بين الإيرانيين الذين رأى عدد منهم أن تصريحات ترامب "حقيقة مرّة" تكشف عن نصف قرن من المعاناة في ظل حكم نظام طهران.
وفي خطابه، الذي امتدح فيه أداء قادة الدول العربية الخليجية، قارن ترامب طريقة إدارتهم مع قادة إيران. وقال إن الدول العربية حوّلت الصحاري إلى أراضٍ خصبة، بينما حوّل قادة طهران الأراضي الخضراء إلى صحاري قاحلة؛ "لأنهم فاسدون".
ووصف صدرا محقق، وهو صحافي مقيم في إيران، عبر منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، إشارة ترامب إلى إيران في خطابه وتركيزه على قضايا، مثل تدمير المعالم التاريخية لطهران قبل الثورة ومافيا المياه، فضلاً عن قراره برفع العقوبات عن سوريا، بأنه كان تصرفًا ذكيًا.
وقد أشار ترامب في خطابه، متحدثًا عن بناء أطول ناطحات السحاب في جدة ودبي، إلى أن "المعالم التاريخية لطهران في عام 1979 (أي بعد الثورة الإيرانية) تحوّلت إلى ركام وأنقاض".
وكتبت مستخدمة تُدعى سارا قواميان على منصة "إكس"، مشيرة إلى تصريحات ترامب: "لم يُهن الرئيس الأميركي النظام الإيراني فقط أمام أعين ملايين الناس حول العالم، بل سحقه".
وأضافت: "ترامب يعرف كل شيء؛ من الرموز التي أنشأها الشاه ويتم تدميرها الآن، إلى مديحه للتقدم الذي كان موجودًا في النظام السابق (الملكي)، وانقطاع الكهرباء المتكرر، ومافيا المياه، وغيرها".
وكان ترامب قد تطرق، في المنتدى الاستثماري السعودي- الأميركي، إلى تفاصيل أكثر دقة، مثل دور مافيا المياه التابعة للنظام الإيراني في أزمة المياه بالبلاد، خلال السنوات الأخيرة، وكذلك إلى الكهرباء، قائلاً: "إن عقودًا من الإهمال وسوء الإدارة دفعت بإيران إلى الظلام؛ حيث تستمر انقطاعات الكهرباء لعدة ساعات يوميًا".
وقد لفتت هذه الإشارات من ترامب انتباه حتى المستخدمين المؤيدين للنظام، رغم أنهم وجّهوا اللوم إلى حكومة الرئيس الإيراني، مسعود بزشکیان.
وأعاد هؤلاء المستخدمون نشر نص منسوخ حرفيًا على منصة "إكس"، جاء فيه: "ترامب في خطابه بالسعودية، أشار ساخرًا إلى عجز الكهرباء وانقطاعها في إيران. فعلاً، يجدر بنا أن نتوجه بالشكر الجزيل للسيد بزشكيان وحكومته؛ لأنهم رفعوا رأس إيران عاليًا".
وقد أثار تعليق إسحاق جهانغيري، نائب الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، ردود فعل كثيرة على منصة "إكس"، بعدما كتب أن ترامب قدّم "وصفًا خاطئًا" لأوضاع الماء والكهرباء في إيران.
وردّت عليه الصحافية الإيرانية، آزاده مختاري، بالقول: "السيد جهانغيري، هل من الخطأ القول إن إيران تواجه أزمة مياه، وعدم توازن في إنتاج الكهرباء؟ على الأرجح، رأسكم مدفون في الرمال، لذلك لا تعلمون شيئًا عن وضع الكهرباء والماء! نحن أيضًا نعاني بسبب تصوراتكم هذه".
أما مستخدم يُدعى "عمو سام"، فقد اتخذ نهجًا مختلفًا؛ إذ نشر لحظة لقاء رائد الأعمال ذي الأصول الإيرانية، دارا خسروشاهي، الذي رافق ترامب في زيارته للسعودية، مع مسؤولي المملكة، وكتب: "بينما لدينا بابك زنجاني ومجيد أعظمي، فإن شعبنا مشغول بتأمين الحاجات الأساسية كالكهرباء والماء وإطعام عائلاتهم".
مستوى الرفاه في إيران والدول العربية
تُظهر المؤشرات الدولية الموثوقة لقياس الرفاه بوضوح كيف أصبح الإيرانيون أفقر مقابل ازدياد رفاهية شعوب الدول العربية الخليجية.
ويُعد "مؤشر الرفاه من معهد ليغاتوم" تقييمًا سنويًا تنشره مؤسسة ليغاتوم، وهي مركز أبحاث مستقل مقره لندن. يقيس هذا المؤشر مستوى رفاهية الدول استنادًا إلى 12 ركيزة أساسية تشمل: الاقتصاد، والحكم، والتعليم، والصحة، والأمن، والحريات الفردية، ورأس المال الاجتماعي، والبيئة.
ويهدف هذا المؤشر إلى تقديم صورة شاملة عن الرفاه، تتجاوز المقاييس الاقتصادية البحتة، مثل الناتج المحلي الإجمالي. ويستخدم المؤشر بيانات موثوقة من مصادر عالمية، مثل استطلاعات "غالوب"، والبنك الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ويغطي 167 دولة.
ووفقًا لتقرير مؤشر الرفاه لعام 2023، فقد جاءت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 46، وقطر في المرتبة 53، والكويت 55، والسعودية 73، وعُمان 67. أما إيران، فقد جاءت في المرتبة 126.
دخل الفرد في إيران مقابل الدول الخليجية
تروي البيانات الاقتصادية العالمية الموثوقة قصة تطور الدول الخليجية اقتصاديًا، مقابل تأخر نسبي لإيران.
ويُعد "الناتج المحلي الإجمالي للفرد على أساس تعادل القوة الشرائية" (PPP)، والذي يصدر عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من المعايير الأساسية لمقارنة القدرة الاقتصادية ومستوى المعيشة بين الدول.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2024، فإن هذا المؤشر للفرد الإيراني بلغ 5013 دولارًا فقط.
أما بالنسبة للدول الخليجية، فقد بلغ للفرد الواحد في قطر: 71568 دولارًا، والإمارات: 49550 دولارًا، والكويت: 32290 دولارًا، والسعودية: 32881 دولارًا، وعُمان: 34844 دولارًا.
الفجوة الاقتصادية بين إيران والدول العربية قبل وبعد ثورة 1979
استنادًا إلى بيانات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبالأسعار الثابتة لعام 2017، فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إيران عام 1975 كان نحو 8400 دولار، مما يشير إلى مكانة قوية نسبيًا في المنطقة.
وفي العام نفسه، سجلت السعودية نحو 8800 دولار، والإمارات: 11200 دولار، وقطر: 12500 دولار، والكويت: 12300 دولار، وعُمان: 5100 دولار.
وعند مقارنة هذه الأرقام بأرقام عام 2024، يتبين أن دخل الفرد في الإمارات تضاعف تقريبًا خمس مرات، خلال الخمسين عامًا الماضية، في حين انخفض بالنسبة للإيرانيين إلى نحو النصف.