من الصمت إلى المقاومة.. إيرانيات يروين معاناتهن بسبب التحرش الجنسي

نعيمة دوستدار
نعيمة دوستدار

صحافية ومحللة اجتماعية

التحرش الجنسي تجربة مشتركة لملايين النساء حول العالم، تتم تغطيته بالصمت، الذي تفرضه المجتمعات، ولكن بفضل جهد وشجاعة النساء اللاتي تقدمن لمشاركة تجاربهن على وسائل التواصل الاجتماعي، تم كسر هذا الصمت الآن.

وبعد بدء حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، أصبحت النساء الإيرانيات أكثر من أي وقت مضى يروين تجاربهن مع التحرش والعنف الجنسي. هذه العملية التي توسعت بشكل كبير في الفضاء العام ووسائل التواصل الاجتماعي لم تتحدى المحرمات الاجتماعية فحسب، بل خلقت خطابًا جديدًا في مجال حقوق المرأة.

أهمية رواية النساء عن التحرش الجنسي

تعد رواية النساء عن تجاربهن مع التحرش الجنسي واحدة من أكثر الأدوات فاعلية لمكافحة هذه الجريمة، التي لا تؤثر فقط على النساء الضحايا، بل على المجتمع بأسره والنظم الاجتماعية أيضًا، كما أن التعبير عن معاناة التحرش الجنسي يمنح النساء الفرصة للخروج من ظل الصمت والخوف، والتغلب على شعور العار والذنب الذي فرضه المجتمع عليهن.

ومن ناحية أخرى، تُظهر هذه الروايات للمجتمع أن التحرش الجنسي ليس قضية فردية، بل هو أزمة اجتماعية تنبع من هياكل السلطة غير المتكافئة والتمييز الجنسي ذي الجذور العميقة.

كسر الصمت والمحرمات

في العديد من المجتمعات، بما في ذلك إيران، لا يزال الحديث عن التحرش الجنسي مصحوبًا بالعلامات الاجتماعية السلبية. تخشى العديد من النساء، حتى بعد سنوات، سرد تجاربهن؛ لأنهن قد يتعرضن للوم، ويمكن للروايات الشخصية أن تكسر هذه المحرمات وتحوّل قضية التحرش الجنسي إلى خطاب عام.

وتقول ليلى، إحدى النساء اللاتي شاركن تجاربهن عن التحرش الجنسي على وسائل التواصل الاجتماعي: "كنت أعتقد لفترة طويلة أنني كنت السبب فيما مررت به. لكن عندما رأيت أن العديد من النساء لديهن تجارب مشابهة لتجربتي، فهمت أن المشكلة ليست فردية، بل هي ظاهرة هيكلية مجتمعية".

زيادة الوعي العام

الكثير من الناس لا يدركون مدى انتشار التحرش الجنسي في المجتمع. وتجعل رواية النساء لتجاربهن المجتمع، خاصة الرجال، أكثر حساسية لهذا الموضوع، مما يدفعهم إلى إعادة النظر في سلوكياتهم. فعندما تشارك النساء تجاربهن، يزداد الوعي العام حول قضية التحرش الجنسي، وفي النهاية يزيد الضغط الاجتماعي على المؤسسات القانونية لإحداث تغييرات أكبر.

وتساعد هذه الروايات الضحايا الأخريات في أن لا يشعرن بأنهن وحيدات، ويعلمهن أنه يمكنهن إيصال أصواتهن إلى الآخرين.

إحداث تغييرات اجتماعية وقانونية

في البلدان التي انتشرت فيها رواية تجارب التحرش الجنسي، تم فرض قوانين أكثر صرامة ضد المعتدين. أظهرت تجربة حركة «#MeToo» في البلدان الغربية أن مثل هذه الروايات يمكن أن تؤدي إلى إصلاحات جدية.

وفي إيران أيضًا، مع تزايد هذه الروايات، أصبح المجتمع أكثر وعيًا بضرورة إصلاح القوانين الحالية. من خلال رواية تجاربهن، تطالب النساء بتغيير القوانين وإنشاء أنظمة دعم أفضل للضحايا.

تأثير رواية التجارب على الرأي العام

قبل حركة "المرأة، الحياة، الحرية" في إيران، كانت النساء يستفدن من وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة معاناتهن بسبب التحرش الجنسي والنضال ضد العنف الجنسي. أتاح هذا الفضاء للنساء التعبير عن تجاربهن بدون وسيط أو رقابة، مما ساعد في زيادة الوعي العام.

وفي سياق انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية"، التي اندلعت عام 2022، نُشرت تقارير عن استخدام قوات الأمن الإيرانية الاغتصاب الجنسي وأشكالاً أخرى من العنف الجنسي كوسيلة لتهديد وعقاب وإذلال المتظاهرين.

وقالت إحدى الضحايا لمنظمة "العفو الدولية": "اغتصبني ضابطان، بما في ذلك عبر فتحة الشرج باستخدام زجاجة. حتى الحيوانات لا تفعل هذا. كنت صغيرة جدًا مقارنةً بهم، وبعد ذلك فقدت الوعي".

وتركت هذه التسريبات تأثيرًا عميقًا على الرأي العام، مما غيّر تصورات المجتمع. فالعديد من النساء اللواتي كُنَّ قد صمتن خوفًا من حكم المجتمع، وجدن الشجاعة للتعبير عن تجاربهن بعد رؤية تجارب مشابهة لنساء أخريات؛ حيث يظهر هذا الاتجاه تكوين تضامن بين النساء وزيادة الوعي حول العنف الجنسي في المجتمع الإيراني.

وكشفت إحدى النتائج المهمة لهذه الروايات عن استغلال جنسي من قِبل الأشخاص المشهورين والمتمتعين بالنفوذ. هذه التسريبات، التي تشبه الأمثلة الدولية في حركة "MeToo"، دفعت العديد من الأفراد إلى الكشف عن تلك القضايا. ونتيجة لذلك، أصبح المجتمع الإيراني، الذي كان يميل في السابق إلى إنكار أو إلقاء اللوم على الضحايا، أكثر انتباهًا لهذه القضية، بل بدأ في تشكيل قضايا في المحاكم حول هذا الموضوع.

واضطرت العديد من المنظمات والمؤسسات الاجتماعية أيضًا، إلى اتخاذ مواقف واضحة ضد العنف الجنسي. وقد ساعدت رواية النساء في تبرئة ممثلتين إيرانيتين كانتا قد واجهتا تهمة التشهير بسبب موقفهما.

وفي هذا السياق، تقول نسترن، البالغة من العمر 29 عامًا، عن معاناتها مع التحرش الجنسي: "عندما تحدثت عن المعتدي، تم تهديدي بأنهم سيقدمون شكوى ضدي. لكنني لم أصمت، لأنني أؤمن بأن الصمت يجعل المعتدين أكثر قوة".

تحديات وعوائق تواجه الإيرانيات في رواية تجاربهن

على الرغم من التأثيرات الإيجابية للرواية، فإن النساء الإيرانيات ما زلن يواجهن العديد من العوائق التي تمنعهن من التعبير بحرية عن تجاربهن.

ويعد الخوف من اللوم والعار، أحد أكبر تلك العوائق؛ حيث تخشى العديد من النساء أن يتم لومهن من قبل المجتمع وحتى من أسرهن. في الثقافة التقليدية، غالبًا ما تُعتبر الضحية هي المسؤولة بدلاً من الجاني، ويطلب بعض أفراد الأسرة من النساء أن يصمتن بدلاً من تقديم الدعم لهن. هذا الوضع يجعل النساء يعشن في خوف وقلق دائمين، ويشعرن كأن لا أحد يفهمهن.

وتقول سارة، وهي امرأة تبلغ من العمر 35 عامًا، والتي جمعت الشجاعة للحديث علنًا بعد سنوات من تعرضها للتحرش الجنسي: "بعد أن شاركت تجربتي، اتهمني الكثير ممن حولي بالكذب. لكن العديد من النساء أرسلن لي رسائل وقلن إنهن تعرضن لتجربة مشابهة".

غياب الدعم القانوني

يمثل غياب الدعم القانوني أحد التحديات الرئيسية الأخرى، التي تواجه النساء في رواية تجاربهن. فالقوانين الإيرانية المتعلقة بالتحرش الجنسي غير مكتملة، وفي العديد من الحالات، لا تستطيع النساء الحصول على الدعم القانوني الذي يحتجن إليه، كما أن بعض النساء، بعد الكشف عن تجاربهن، تعرضن للملاحقة بتهمة "إثارة الذعر العام" أو "نشر الأكاذيب". هذه الظروف تجعل العديد من النساء يتراجعن عن متابعة حقوقهن القانونية.

ومن التحديات الأخرى، التي تواجه النساء في سرد تجاربهن، الهجمات الإلكترونية والتهديدات التي يتعرضن لها عادة؛ إذ يواجه العديد من النساء، اللاتي شاركن تجاربهن، موجات من الهجمات الإلكترونية، والرسائل المهددة، بل وحتى التهديدات بالقتل.

وهذه التهديدات في بعض الأحيان تجعل النساء يتراجعن عن مواصلة سرد تجاربهن. بالإضافة إلى ذلك، لا تميل وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية إلى تغطية هذه الروايات، ومِن ثمّ تلجأ النساء غالبًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تحمل بدورها مخاطر خاصة.

ومع كل هذه الصعوبات، أصبح من الواضح الآن تأثير سرد النساء لتجاربهن من التحرش الجنسي على المجتمع الإيراني. لم تكسر هذه الروايات فقط بعض المحظورات الاجتماعية إلى حد ما، بل ساهمت أيضًا في تغيير الاتجاه العام للمجتمع وزيادة مطالبة النساء بتعديل القوانين، وهي الآن تغير التصورات الاجتماعية وتخلق مطالبة بإجراء تغييرات قانونية.

ومن أهم الخطوات التي يمكن للمجتمع الإيراني اتخاذها في المستقبل هي دعم النساء الساردات، وتعزيز الأطر القانونية والثقافية لمكافحة التحرش الجنسي، وتغيير تصورات المجتمع. كما تقول زهرا، البالغة من العمر 24 عامًا: "نشر قصصنا كان مخيفًا، لكن رؤية دعم الناس أعطتني الأمل. نحن لسنا وحدنا".