كيف يمكن لترامب أن يُنهي مهمته في إيران والشرق الأوسط؟

نشرت مجلة "فورين أفيرز" في تحليل جديد أن إدارة دونالد ترامب، من خلال تركيزها على إضعاف النظام الإيراني واحتوائه إقليمياً، تملك فرصة نادرة لتحقيق استقرار دائم في الشرق الأوسط.
نشرت مجلة "فورين أفيرز" في تحليل جديد أن إدارة دونالد ترامب، من خلال تركيزها على إضعاف النظام الإيراني واحتوائه إقليمياً، تملك فرصة نادرة لتحقيق استقرار دائم في الشرق الأوسط.
وأضافت المجلة أن هذا الهدف لم تتمكن الإدارات الأميركية السابقة من تحقيقه رغم التدخلات الواسعة في المنطقة.
وجاء في التقرير أن الهجمات العسكرية الواسعة على المنشآت النووية الإيرانية في نطنز وأصفهان وفوردو، بالإضافة إلى التدمير الكبير لمنظومات الصواريخ والدفاع الجوي الإيرانية، أوجدت فرصة غير مسبوقة لدفع الأهداف السياسية والدبلوماسية الأميركية في مواجهة طهران.
وبحسب التقييمات، فإن نحو 60 في المائة من منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، و80 في المائة من أنظمة الدفاع الجوي قد دُمّرت خلال العملية الأخيرة. كما أظهرت القدرات الاستخبارية والعملياتية للولايات المتحدة وإسرائيل أنهما قادرتان على استهداف البنية التحتية والقيادات الحيوية للجمهورية الإسلامية بدقة عالية، وفي عمق الأراضي الإيرانية.
مكاسب ميدانية لا تكفي دون ضغط دائم
مع ذلك، تُحذّر "فورين أفيرز" من أن هذه المكاسب العسكرية ستفقد تأثيرها ما لم تُرافق بخطط تنفيذية صارمة وضغوط متواصلة. وتشير إلى أن السياسة الأميركية يجب أن تنتقل بعد انتهاء الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، من مجرد الردع إلى مرحلة التنظيم والتطبيق الفعّال.
كما نقلت المجلة دعوة رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في رسالة إلى وزير الخارجية الإيراني، إلى ضرورة التعاون العاجل مع الوكالة من أجل التوصّل إلى حل دبلوماسي للنزاع النووي.
وتضيف المجلة أن الهدف الأساسي من هذا المسار السياسي يجب أن يكون منع إيران من إعادة بناء قدراتها النووية والصاروخية بعيدة المدى. ويتطلب ذلك اتفاقاً جديداً وشاملاً بآليات رقابية صارمة، وعقوبات رادعة، وقبل كل شيء، آلية تنفيذ ملزمة وحازمة.
دروس الاتفاق النووي لعام 2015
يؤكد التقرير أن التجربة الفاشلة للاتفاق النووي لعام 2015 أثبتت أن أي اتفاق، مهما كان شاملاً، لن يصمد أمام إصرار النظام الإيراني على المضي في برامجه العسكرية والمزعزعة للاستقرار، ما لم يكن مصحوباً بإجراءات تنفيذ فعالة.
ويرى كُتّاب التحليل أن الولايات المتحدة فشلت خلال العقود الماضية في احتواء القوى المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط بشكل دائم، بينما نجحت في أوروبا وآسيا بفضل الاستقرار المؤسسي والتعاون الإقليمي، مما مهّد الطريق لاحتواء الصين وروسيا.
ويؤكد التقرير أن هذه اللحظة تتيح فرصة جديدة لإنشاء نظام إقليمي جديد، بالاستفادة من الضعف غير المسبوق الذي تعانيه إيران.
بعد "داعش"... إيران تهديد الاستقرار الأول
تشير المجلة إلى أنه بعد القضاء على تنظيم "داعش"، أصبحت إيران المصدر الرئيسي لزعزعة الاستقرار في المنطقة، مستفيدة من شبكة من الميليشيات والجهات الوكيلة التي تنشط ضد إسرائيل، ودول الخليج، والقوات الأميركية.
لكن بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، ثم دخول طهران المباشر في الحرب، تراجع نفوذ إيران وتعرّضت أذرعها لنكسة كبيرة.
وتقول المجلة إن القوى الإقليمية الصاعدة مثل إسرائيل وتركيا ودول الخليج بدأت بتشكيل نظام جديد بغياب طهران، معتمدة على إصلاحات داخلية، واندماج أعمق مع الاقتصاد العالمي، ودبلوماسية نشطة.
نهج ترامب: لا انسحاب ولا تورّط دائم
وتُشيد مجلة "فورين أفيرز" بسياسة ترامب الجديدة في المنطقة، حيث لم تنسحب الولايات المتحدة كما في الماضي، ولم تتورط في أزمات دائمة، بل اعتمدت مزيجاً من الدبلوماسية والضربات العسكرية المحدودة والفعالة بهدف احتواء تهديدات محددة، خصوصاً منع إيران من امتلاك سلاح نووي، مع دعم من الرأي العام الأميركي.
وتشير إلى أنه إذا نجحت إدارة ترامب في الحفاظ على الضغطين الاقتصادي والعسكري، ومنع إيران من إعادة بناء برامجها التسليحية، فهناك فرصة واقعية لعودة طهران إلى طاولة التفاوض وفتح آفاق دبلوماسية جديدة.
لا للمفاوضات إلا بضمانات قاطعة
مع ذلك، يحذر التقرير من جعل التفاوض مع إيران هدفاً بحد ذاته، بل يجب أن يكون مشروطاً بضمانات لتفكيك كامل أو شبه كامل لبرنامج تخصيب اليورانيوم.
ويخلص التقرير إلى أن على واشنطن أن تضع أولوية قصوى لاحتواء إيران كمدخل لإنهاء عقود من الأزمات. ويجب أن تقابل أي هجمات من الميليشيات التابعة لطهران بردّ مباشر على النظام الإيراني نفسه.
كما يُوصي بأن تضطلع الولايات المتحدة بدور محوري في حل النزاعات المترابطة، مثل القضية الفلسطينية–الإسرائيلية، والصراع التركي–الإسرائيلي، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب، وإدارة أزمة اللاجئين، بشكل يفتح الطريق أمام نظام إقليمي مستقر.
وتختتم المجلة تحليلها بالقول إن هذه لحظة نادرة لأميركا، تتيح لها بالتعاون مع شركاء المنطقة أن تضع نهاية لخمسين عاماً من الحروب والأزمات في الشرق الأوسط، وتؤسس لنظام جديد لا يحتاج إلى تدخل عسكري مستمر أو إدارة يومية.